السويداء والثورة فكرة متجذرة ومحاولات تهميش متعمدة

محافظة تقع في أقسى الجنوب السوري منسية منذ ستينات القرن الماضي بعد انقلاب البعث ، وعانت تهميشاً اقتصادياً متعمداً من قبل نظام الأسد . و محاولات منه لتحجم المعارضة الوطنية فيها و الدور التنوري للسويداء ، المتعاكس مع أهدافه في تخريب وإفساد المجتمع .
بعد أحداث الثورة السورية العظيمة التي انطلقت شرارتها الأولى من درعا ساندت السويداء جيران الأرض والعادات والتقاليد ، وهبت الطبقة النخبوية في المحافظة لنصرة درعا وبقية المحافظات السورية
خرجت السويداء منذ الأيام الأوائل للثورة وكان أول اعتصام نقابي في سوريا كان من نقابة المحامين في 28 آذار عام 2011 أي بعد أيام قليلة من بدء الثورة وبعدها توسعت رقعة المظاهرات في السويداء المدينة وشهبا وصلخد ولم يستطع النظام استخدام براميله المتفجرة التي كانت أداته القمعية ضد أي منطقة ثائرة ضده ، لادعائه بفكرة حماية الأقليات وهي الشماعة التي لعب عليها هو والمجتمع الدولي المنافق ، رغم أن الأقليات السورية والدروز خاصة عانت من بطش هذا النظام منذ استلم آل الأسد الحكم في سوريا ، بدءاً من محاربتة لاحياء ذكرى سلطان باشا الأطرش السنوية ، وصولاً لأحداث عام 2000 ، التي افتعلها ضد أبناء الجبل مدعياً أنها كانت لأسباب طائفية ،بالإضافة إلى ملاحقته لمعارضيه من الأحزاب السياسية بمنعهم من امتلاك جوازات سفر والامتناع عن توظيفهم رغم كفاءتهم العلمية وملاحقتهم أمنياً بشكل دوري ، لتأتي الثورة التي عمل النظام جاهداً لتهميشها في السويداء بكل الوسائل ، ومع الأسف حتى وسائل إعلامية كانت محسوبة على الثورة سعت لنفس الغاية
حاول افتعال الإقتتال داخلي بين أبناء السويداء أنفسهم بدعم شبيحته من السويداء نفسها .قسم الشارع وأحدث شرخاً في نسيجها الاجتماعي .
ورغم كل هذا بقيت الثورة مستمرة في السويداء وناضل ناشطوها لنصرتها ، وانشق ضباطها وأسسوا كتيبة سلطان باشا الأطراش بقيادة الملازم أول خلدون زين الدين ، الذي سقط شهيداً لحوران والسويداء ، واختلط دمه مع دماء شهداء درعا الذين سطروا أعظم قصص وصور الالتحام الوطني للشعب السوري.
ورغم المحاولات لتهميش ثورة السويداء ، لكنها استمرت وناضلت وخرجت المحافظة من تحت سيطرة النظام ، إن كان برفض أبناءها المشاركة بسفك الدم السوري أو بعدم الالتحاق بجيش النظام بدعم من قائد ومؤسس حركة رجال الكرامة الشهيد أبو فهد وحيد البلعوس الذي اغتاله النظام هو ومجموعة من رفاقه في تفجير بمدخل مشفى السويداء في يوم 4 أيلول/ سبتمبر من عام 2015 وراح ضحيته أكثر من 30 شهيداً بينهم أطفال ونساء ، وكانت هذه العملية احدى الرسائل التي اراد النظام الذي لا يفقه سوى لغة القتل توجيهها للسويداء .
ورغم كل هذا خرج أبناء السويداء في ذلك اليوم وأسقطوا تمثال حافظ الأسد من وسط ما يعرف منذ ذلك اليوم بساحة الكرامة لتبقى شاهدةً على انتفاضة اهل السويداء والتي شهدت مظاهرات في نيسان 2016 ، وحملة بدنا نعيش في صيف عام 2020 وصولاً للحراك الشعبي الذي حدث مطلع هذا العام . وكانت جميعها مظاهرات تحمل روح الثورة بداخلها .
اذاً ، ثورة أهل السويداء لم تكن ثورة جياع كما يدعى البعض بل كانت ثورة تأكيد لفكرة إسقاط النظام ، ثورة مستمرة للمطالبة بالمعتقلين ورفض تواجد المحلتين الايرانيين والروس كما كانت ثورة لاسترداد الكرامة ، كرامة الشعب التي اهدرها النظام لاستمرار سيطرته وسطوته على الحكم في سوريا .
وبعد إحدى عشرة عاماً مازالت الثورة مستمرة في نفوس أبناء السويداء ، مع استمرار الروح الوطنية للثوار .
ويبقى السؤال هل يشفع للسويداء كل هذا عند بعض المتعصبين ، وهل يشفع لها اخلاصها للثورة وللثوار ، هل يشفع لها محاولات النظام ادخال داعش إلى أرضها لمنع أي تحرك وطني فيها ومحاولة إصباغ الثورة بالطائفية ، هل يشفع للسويداء استقبالها لأهلنا من باقي المحافظات كانهم من أبناء هذا الجبل ، وهل يشفع لها الالتزام الوطني والفني لسميح شقير وأغنية يا حيف التي أصبحت جزءً من ذاكرة الثورة ، وهل يشفع للسويداء عدم مشاركتها بالدم السوري .
، وهل يشفع لها بعد أن قدمت باقة من الشهداء استشهدوا بالمعتقلات تحت التغذيب منهم (صفوان راوند و طارق حمد قماش و علاء عفيف حرب وعلي ابراهيم زين الدين و كمال محمود مقلد ولورنس كمال رعد و مأمون نوفل ومروان الحصباني ومعتز صقر الصحناوي و نادر رامز بريك وشادي أبو رسلان ونورس هندي أبو سعيد بالإضافة للدكتور بريك والدكتور أسامة بركة الذي حمل تهمة شرف مهنتة بمساعدته مرضى أبناء بلده من المهاجرين) .
وتطول القائمة ليضاف إليها اغتيالات ناشطيين داخل السويداء من صفوان شقير ومعين رضوان بالإضافة إلى خلدون وباسل شقير وأخيراً اغتيال صقر وياسر الطويل صيف العام الماضي .
أملنا اليوم بجيل الثورة ليحافظ على تضحيات حمزة الخطيب وعبد الباسط الساروت وعبد القادر صالح وباسل شحادة ورزان زيتونة وخلدون زين الدين ، أملنا أيضاً بجيل يقبل الاختلاف مع الأخر ، وبجيل يسعى لتصحيح أخطائه .
إعداد : رزان زين الدين.