سياسي

دراسة حول الفن وتأثيره السياسي والاقتصادي ودوره المجتمعي والحالة السورية

الكاتبة الدكتورة ريما الحربات

ستجيب الورقة عن الأسئلة التالية:

ما هو مفهوم الفن؟

ما هي وظيفة الفن و دوره في المجتمعات ؟

ما هو تأثير الفن و دوره بالحراك الشعبي في سورية ؟

 

مقدمة:

الثقافة هي الوعاء الذي احتوى و يحتوي جميع المنتجات المادية و المعنوية للإنسان، و على مر التاريخ الإنساني، به و منه مرت الشعوب البشرية خلال مراحل تطورها، خلدت انتاجاتها وفسحت مجالاً للأجيال اللاحقة بالتعرف على أدق و أميز جوانبها، لتكون عموداً لمزيد من التطور، وكل ذلك وصل بجميع الأشكال و التجليات الفنية من الرسم و الآداب و الحياكة و النقش و الأبنية و الثياب ….وكل ما يتعلق بالجنس البشري، ككائن متميز بعقله و تفكيره، ومشاعره و رورحه..كلها تعمل مجتمعة لخلق التراث الحضاري و الإنساني .

 مفهوم الفن:

الموسوعة البريطانية عرفت الفن بأنه استخدام التصور ، و المهارة لخلق نتاجات جمالية ، أو صياغة تجارب شعورية ، أو تهيئة مناخات تتميز بحس جمالي.

هناك تعريف آخر للفن يقول:

الفن شكل من أشكال الحرية ، فهو طريقة للتعبير عن الذات، و تحقيق الحرية ، إنه عمل يتميز بالإيمان بالذات فهو مرآة لانعكاسات الروح و رغباتها.

بينما ورد بالوكيبيديا أنه عبارة عن مجموعة متنوعة من الأنشطة البشرية في إنشاء أعمال بصرية أو سمعية أو أداء (حركية)، للتعبير عن أفكار المؤلف الإبداعية أو المفاهيمية أو المهارة الفنية، والمقصود أن يكون موضع تقدير لجمالها أو قوتها العاطفية.

يمكننا القول أن مفهوم الفنون عموماً، تعبير ما من قبل أشخاص يمتلكون قدرة بمجال من المجالات تمكنهم من نقل أفكارهم و توجهاتهم و مشاعرهم إلى الآخرين ، من خلال شكل معين يبدأ بتعديل مكون ما و ينتهي بأعمال فنية مرئية او مسموعة أو حتى ملموسة، و من خلال وسائل الإعلام المختلفة، لنقل وعرض رسالة ما.

هناك تصانيف متنوعة لأشكال الفنون منها :التشكيلية كالرسم و الطباعة, و التعبيرية التي تختص بالأداء الحركي، و التطبيقية كالديكور و الحياكة ، وغير المرئية كالشعر، و الآداب، و هناك الأدائية والأفلام و المسلسلات، و الصوتية كالموسيقا و الغناء ، و التراتيل و التجويد.

ومما لا شك فيه أن البنية القيمية لكل ثقافة و لكل وسط جغرافي تؤثر على النمط الفني السائد أو الأكثر شيوعا، فالعرب قديما تميزوا بالشعر و الرومان بالمسرح، و حتى حاليا هناك فنون مشهورة أو ترتبط بحضارة أو ثقافة معنية ، مثلا الأهازيج الشعبية تميزنا ، بينما ينتشر في أوربا الأوبرا والموسيقا، إنما لا يستغني أي شعب من الشعوب عن الفنون إن كان مستواه على سلم التطور الحضاري ، إنه جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية لأنه مرتبط بالتعبير عن الأفكار و المشاعر و الحاجات، و القدرات ( خاصة الإبداعية) لجميع البشر دون استثناء، لذلك اعتبر العالم “ماسلو” في حديثه عن الحاجات البشرية أن الجمال حاجة،( الحاجة الجمالية).

 وظيفة و دور الفن في المجتمعات:

لكل ثقافة طباعها الفني الذي يميزها، لأنها تعكس البينة الإجتماعية و الاقتصادية و الثقافية المصهورة مع ملامح الوسط الجغرافي، و هذا يدل على العلاقة المتبادلة بين الفن كقوة مؤثرة و متأثرة، بالملامح التي تميز منطقة ما خلال فترة زمنية محددة

وقد أكد الباحث” رياض عوض” على الدور الكبير الذي يلعبه الفن في بناء المجتمعات.

على سبيل المثال لا يمكننا أن ننكر أن عصر النهضة بدأ أو تجلى بطريقة تعبير الفنانيين عن أنفسهم ، و بطريقة اختيار مواضيعهم، وتطور مشاعرهم ، و نظرتهم الجديدة للمجتمع و لأنفسهم، وقد أظهرت دراسة مصرية حول أهل الفن و علاقتهم بالقضايا السياسية، وجود علاقة وثيقة بين الدولة و الفنانيين، و أن بناء علاقات مع السياسيين كانت من أولويات الفنانيين، كما أوردت بأن الفنان المصري يولي اهتماماً كبيرا بالقضايا الثقافية و السياسية المعاصرة التي تؤرق المجتمع، و أنه يمكن تحويل الفن إلى فن نافع و منخرط اجتماعيا و يساهم في خلق حلول فرعية بالمجتمع.

وبات استخدام الفنون من قصة و شعر و مسرح و رسم وتشكيل ..جزء لا يتجزأ من المناهج التربوية و التعليمية لمختلف مراحل الأطفال ، كما تستخدم الفنون في العلاج النفسي خاصة للأطفال كالسيكودراما.

في دراسة للباحثة “صبا الياسري” تحدثت عن أهمية الدور الاجتماعي و التربوي الذي يلعبه الفن، عن ضرورة تعليم الفن، و حتى تثقيف المجتمع فنيا، و أشارت إلى أهمية الفن في تشكيل الاتجاهات الاجتماعية و الارتقاء بالذوق العام.

“خالد البيه” رسام كاريكاتير سياسي استخدم وسائل التواصل الإجتماعي لإيصال رسائله، و قال سمحت له رسوماته بالمساهمة بزيادة الوعي حول مواضيع حساسة كالفساد و العنصرية و الآثار التي تخلفها الحرب في الأطفال.

من جانب آخر للفنون دور اقتصادي كبير ، لا يخفى على أحد الموارد الاقتصادية التي تجنيها الدول من وراء المتاحف بمختلف أنواعها، و كذلك الأبنية التي تحمل طراز فنيا مميزا، كما تلعب الإعلانات التجارية من صور و أغان” مصممة بطريقة فنية مؤثرة”دوراً كبيراً في زيادة مبيعات الشركات الكبرى.

كان و ما زال للأغنية و الموسيقا تأثيرا على المشاعر و الأحاسيس، و حتى الأفكار و الاتجاهات.

فللأغاني الوطنية و القومية دور كبير في تأجيج مشاعر الشعوب، و الترويج لساسيات الحكومات، تلك التي توجه وسائل الإعلام بمختلف أشكال انتاجاتها الفنية نحو نقل أفكار و تبني اتجاهات محددة ، بغض النظر عن مدى سلبيات تأثيرها على البنية القيمية و الأخلاقية لمجتمع ما.

يرى” أمية مقداد”أن الفن السياسي هو سلاح فطري يمتلكه كل إنسان ينتمي إلى منطقة الشرق الأوسط. و يبقى أن نعي أهمية هذا السلاح ، و أن نطلقه في اللحظة المناسبة عبر أعمال فنية بصرية قادرة على التصدي.

ولذلك ظهر تصنيف للفن حسب الموضوع أو الهدف الأساس، فهناك ما يسمى الفن المتواطىء لإرضاء ذوق أو توجه معين تحت ضغط اجتماعي أو إقتصادي ، أو فن معارض و هو الذي يرفض الوصاية، أو أي فكرة نمطية، أما الملتزم فهو الذي يتناول قضية أو مبدأ أخلاقي. وهذا إن دل فهو يدل على دور و مهمة الفن في حياة الشعوب، فهو ليس عبارة عن لوحة جمالية تلامس مشاعرنا ، إنما مساحة نقل أفكارنا …أوجاعنا مشاكلنا ، تطلعاتنا ..و حتى لإعادة تقييم مشاكلنا الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، و تسليط الضوء على مخارج و حلول قد تساعدنا بالخروج من معاناتنا و التعبير عنها.

مما سبق نرى أنه على الرغم من كون الفن مرآة للمجتمع يؤثر و يتأثر بالنمط الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي ، إلا أنه لغة عالمية توصل رسائلنا، سواء أكان تعبيرا فرديا أو جماعياً .

في بداية *الحراك السوري* كنموذج على الاهازيج الشعبية و الأغنية الوطنية بهجة هذا التأثير الجماهيري، وخاصة أنها رافقت ساحات التظاهر الجماهيرية، التي كانت تضم الآلاف ، و هنا كانت تلعب دور المحفز ، و كانت تعبيرا جمعيا مدنيا سياسياً، أخاذا، الأمر اللافت للنظر فيها أنها لم تكن كأغاني الأدب الملتزم المعروف كأغنية “مارسيل خليفة” منتصب القامة، الموجه بشكل رمزي للشهيد و تضحيته، بل كانت مبتكره و متطورة مع الأحداث التي تجري على الساحة السورية، وأخص بالذكر ماسمي “القاشوشيات” نسبة إلى أول من صدح صوته به الشهيد “إبراهيم القاشوش”، لتصبح مدرسة أو نهجا سياسيا فنيا للتعبير عن رفض الأسد و سياسته، و ضمت مواجهة صريحة و واضحة لأقواله و أفعاله.

وعلى لسان الكاتب “إيلي عبدو” في مقالة له (تأثير الفن على الحراك السوري) فقد جاءت لتنزع طبقة التكلس عن الفن السوري بوصفه مفرزا من مفرزات الثقافة المدجّنة. لقد تخلى الفن عن نخبويته، لم تعد مادته الأولية تُستقدم من اللغة والمخيلة والأشكال التعبيرية السابقة. ثمة مرجعية جديدة فرضت نفسها بشدّة، الشارع و المتظاهرون الذين كانوا يمضون أوقات طويلة في ساحات التظاهر، كانوا يبرعون في إنتاج أشكال جديدة من التعبير عن رفضهم للنظام الحاكم، لقد اختزنت هذه الأشكال أنماطا متنوعة من الفنون الشعبية والمعاصرة والتقليدية والحداثية، الثورة أخرجت الفن من الغرف المغلقةو حوّلته إلى أداة في متناول الناس يتعاملون معه بطريقة مركبة، تارة ينتجونه وأخرى يتفاعلون معه وفي كلتا الحالتين، ثمة حال من التحرر مسّت الفن وكذلك صانعيه.

و أنشد الفنان “سميح شقير” أغنيته هذه، بعد أحداث درعا بفترة وجيزة. جاءت طازجة حارة خالية من الاستعارت والتشبيهات التي ميزت الأدب الملتزم تكتفي بالتوصيف والتسجيل وتحدد المجرم. تحت تأثير إطلاق النار من جانب الأمن السوري على المتظاهرين السلمين في مدينة درعا جنوب سوريا، يقول شقير: “يا حيف آخ و يا حيف، زخّ رصاص على الناس العزّل يا حيف”. يتابع عن الأطفال الصغار الذين انتُزعت أظافرهم عقاب على كتابتهم شعار “الشعب يريد إسقاط النظام ” على جدران مدرستهم “وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف/وأنت ابن بلادي تقتل بولادي، وظهرك للعادي وعليي هاجم بالسيف، يا حيف يا حيف”.

وفي بلد مثل سوريا، يحكمها حزب عقائدي إيديولوجي يحتكر الثقافة والفن ويفرض وجهة حزبية لهما ويسعى إلى توظيفهما لبناء شعب عروبي قومي موحد، انتهى به المطاف وربما المطافات القاتمة إلى مسارح مهجورة وصالات سينما تلعب بها الفئران وبعض المقاهي التي يرتادها المثقفون، وشعب يلهث وراء قوته اليومي دون توقف هذا يظهر حقيقة العلاقة المتبادلة بين الفن و البنية الثقافية الاقتصادية الاجتماعية لأي دولة، و في الحالة السورية يفسر قصور الفن بمختلف أشكاله عن أداء الأدوار المناطة به، إلا أنه بقي مؤثرا بدليل طريقة القتل الإجرامية التي أنهى بها النظام السوري حياة ” إبراهيم القاشوش” لم و لن يكون الأول قبله كان” ناجي العلي” على سبيل المثال لا الحصر.

تعميمات:

-الفن حالة إنسانية، تعكس القدرات الإبداعية .

-نشاط بشري اقترن بظهور أولى البدايات الحضارية العالمية.

لكل ثقافة سمة و طابع فني مميز لها.

يؤثر الفن على مختلف جوانب الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، كما و يتأثر بالنمط و البنية الاقتصادي و الاجتماعية و السياسية، بل هو مرآة تصدر الواقع و التغيرات التي تنال تطور المجتمعات.

لا يقتصر نشاط الفن على الجانب الترفيهي باعتباره يلامس الوجدان، إنما به و من خلاله يمكننا نقل رسائل مختلفة من التعبير عن حالة وجدانية إلى أفكار جديدة و حتى توجهات و اتجاهات، من خلال أشكاله المتنوعة.

يلعب الفن دورا إيجابيا في تطور المجتمعات و بنفس الوقت يمكن أن يكون هذا الدور سلبيا محضا.

– الفن أداة تعليمية و يساهم بالعلاج النفسي.

لغة عالمية تنتقل بين الشعوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى