هربا من الموت وبحثا عن مستقبل أفضل.. شباب سوريون يخوضون مخاطر الهجرة

براء العودات
تعاني محافظة درعا جنوب سوريا من أزمة الهجرة اليومية لأبنائها خارج القطر، خوفاً من تأدية الخدمة الإلزامية وبسبب تردي الأوضاع الأمنية في الجنوب السوري بعد اتفاق التسوية صيف عام 2018 كما يُعد سوء الأحوال الاقتصادية أحد الأسباب المهمة لدى الشباب لعدم قدرتهم على تكوين أسرة أو تحمل التكاليف العالية للزواج، فمنهم من اختار الإقامة في بعض الدول العربية التي ماتزال تسمح للسوريين بدخولها من خلال دفع رسوم الإقامة المرتفعة في أغلب تلك البلدان، حيث تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة أحد أهم الوجهات التي يختارها الشباب وتأتي جمهورية مصر في المرتبة الثانية، بينما تحل ليبيا ثالثاً، ومنهم من اختار طريق الهجرة اللاشرعية نحو دول الإتحاد الأوروبي.
أحد تلك الطرق المسلوكة هو السفر الى الجمهورية الليبية، ومنها الهجرة عن طريق قوارب صيد محلية الصنع في البحر الأبيض المتوسط برحلة تستغرق 18 ساعة وصولا ببعض الرحل الى 98 ساعة.
وقال خالد “شابٌ سوري من محافظة درعا”يبلغ من العمر 17 عاماً : جئت الى ليبيا بهدف الهجرة اللاشرعية تجاه الأراضي الإيطالية بعد أن عانيتُ كثيراً بالحصول على جواز السفر بسبب الأزمة الخانقة في البلاد , وعند سؤاله عن سبب خروجه باعتباره من القُصر قال : عائلتي لا تملك المال الكافي للخروج دفعة واحده فكان الحل أن أُخاطر بحياتي بالوصول الى أوروبا وبعدها أقومُ بإجراءات “لم الشمل” لعائلتي وتخليصهم من الواقع المعيشي السيء في سوريا، وأُنجو بنفسي من السوق الى الخدمة العسكرية غير واضحةِ النهاية.
أما ياسين فكان كلامه أشد وطأة بسبب الانتهاكات التي تعرض لها حين وصوله الى مدينة بنغازي الليبية حيث قال : فوجئت بعد دخولي قاعة الإستقبال في مطار بنغازي بسلب جواز سفري مني عنوةً واعطائه لسائق سيارة أجرة أخذني الى وجهتي بمقابل مادي مرتفع , وبعد أن وصلت مدينة طبرق الليبية، تعرفت على أحد المهربين وهو سوري الجنسية ووعدني بأن الرحلة ستكون آمنه بمقابل مادي إضافي عن المعترف عليه، حيث تصل تكلفة تهريب الشخص الواحد الى أربع آلاف دولار أمريكي , يقول أيضاً كان الكلام الذي قاله أن الرحلة ستكون عن طريق باخرة لنقل البضائع وكانت المفاجأة بعد دفعي المبلغ المتفق عليه بتسليمي الى الميليشيات الليبية، الذين بدورهم وضعوني بمكان يطلق عليه اسم “المخزن” وفيه المئات من حاملي عدة جنسيات من القارة الإفريقية.
قبعت هناك أربعة عشر يوماً بضروف معيشية صعبه تشمل قلة في الغذاء والدواء ليتم بعدها نقلنا بطرق وحشية الى منطقة تسمى قمبوت واجبارنا بالصعود على قارب “يدعى جرافة” متهالك ولا يصلح للسفر في عرض البحر ووضعوا فيه عدد أكبر مما يتحمل ومن بين المهاجرين نساءٌ وأطفال, استغرق وصولنا الى جزيرة صقليه الايطالية 98 ساعة، ذقنا فيها الخوف والتعب وتم انقاذنا عن طريق خفر السواحل الإيطالي وتم إيصالنا بأمان الى اليابسة.
أضاف، كتب لي القدر أن أصل بسلام لكن ذات القدر أنهى العديد من القصص الحالمة بمستقبل أفضل لتذهب أحلامهم أعماق البحار.
بينما قال ضياء وهو من” سكان مدينة الكسوة” بريف دمشق، فتجربته كانت الأسوء حيث يروي معاناته بحرقةٍ : هبطتُ في مدينة طرابلس وبحثت عن مهرب على حد وصفه فوجدت أحدهم ويدعى وليد الليبي في منطقة غريان وقال أن لديه طريقةٌ جديده أقصر مسافةً من غيرها حيث وعده أن الرحلة لن تتجاوز عشر ساعات في البحر فوافق ودفع له المبلغ المتفق عليه ويقدر ب ألفي دولار بعد أن انطلقنا في عرض البحر عن طريق قارب مطاطي يحمل ستون مهاجراً من حاملي الجنسية السورية تمت ملاحقتنا من قِبل خفر السواحل الليبي وألقي القبض علينا وتحويلنا الى مركز غوط شعال المكان الذي أقل ما يمكن وصفه بالمسلخ البشري، حيث تعرضنا لكافة أشكال العنف الجسدي والنفسي وتم ابتزاز عائلاتنا لدفع مبالغ مادية، وصلت الى ثلاثة آلاف وخمسمائة دولار مقابل إخلاء سبيلنا , وما أزال الى هذه اللحظة أبحث عن طريقة لأعود الى بلادي بعد استنزاف عائلتي مادياً.
بينما كان لأحمد العبد الله رأي مخالف تماماً حيث رأى أن هجرة الشباب بهذا الكم الهائل هو أمر خاطئ وشبههُ بالموجة مجهولة الأهداف بعد سماع الأخبار القادمة من المغتربين القابعين ضمن الحدائق في بعض الدول العربية بسبب تدني الأجور لكثرة اليد العاملة وعدم تحمل تكاليف الإقامة العالية بعد أن وصلت لثمانية آلاف درهم على سبيل المثال في دولة الإمارات ورأى أن الأمل في تحسن الأوضاع في سوريا مازال قائما.
في ذات السياق تشهد تركيا حركة هجرة جديده بأعداد هائلة للشباب السوري بسبب هبوط سعر صرف الليرة التركية وارتفاع الأسعار وفي بعض الحالات التعرض للعنصرية، ما اضطرهم لاختيار طريق الهجرة عن طريق الأراضي اليونانية رغم صعوبة هذا الطريق البري بسبب انخفاض درجات الحرارة وسلوك طرقات في الغابات الخطرة بحثاً عن الملاذ الآمن فأصبحت اليوم المعامل في تركيا تدق ناقوس الخطر بسبب قلة اليد العاملة.
وما يخفى عن اللاجئين أن الوضع اليوم في أوروبا اختلف عما كان عليه سابقاً خصوصاً مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فأعداد اللاجئين القادمين من أوكرانيا فاق الخيال، ما سبب بطء شديد في إجراءات اللجوء للسوريين الواصلين حديثاً الى مراكز إيواء اللاجئين وتأخير في معاملات لم الشمل لعوائلهم.
أيضاً يعاني اللاجئين الواصلين الى دولة بريطانيا العظمى من تأخر إجراءات اللجوء الخاص بهم حيث قال أحمد سعيد أن قرار الترحيل للاجئين القادمين حديثاً الى بريطانيا باتجاه دولة رواندا ما زال قائم الأمر الذي يخيف اللاجئين ما اضطر العديد منهم العدول عن رأيه والتوجه الى دول آمنة أكثر كألمانيا التي تعد أفضل ملجأ في نظر السوريين.
كذلك يعاني اللاجئون في هولندا من تأخر إجراءات إقامتهم لتصل أحيانا الى خمسة عشر شهراً وفي النمسا يعانوا من قِصر مدة الإقامة وعدم استطاعتهم التقديم على طلب لم الشمل بعائلاتهم.
بينما تطغى أحاسيس القلق والترقب على بعض المهاجرين بإيطاليا، بعد وصول ائتلاف اليمين المتطرف إلى الحكم بإيطاليا، متسائلين عما إذا كانت الخطابات العنصرية التي ترفعها هذه الأحزاب، ستتحول إلى سياسات وإجراءات، أم ستبقى مجرد شعارات للاستهلاك الانتخابي، وستركز عملها على الأولويات الاقتصادية والسياسية.
في ذات السياق قال المحامي والناشط الحقوقي عاصم الزعبي عند سؤاله عن حقوق اللاجئين : هناك اتفاقية خاصة باللاجئين وقعت عام 1951 تنظم مفاهيم اللجوء وحقوق اللاجئين والواجبات المترتبة عليهم ، وعند سؤاله عن أنواع اللجوء التي يمكن المواطن السوري الهارب من الحرب الحصول عليها
وتابع ،في الحالة السورية فإن اللجوء الإنساني هو ما يتم منحه لغالبية السوريين، وهو حق اللجوء والعيش بحرية ، وهناك اللجوء السياسي، ويعطى ضمن حدود معينة وأبرز من يحصل عليه، القادة السياسيون، والقادة العسكريون وبعض المعارضين والصحفيين، ولكن يمنع على هؤلاء زيارة بلدهم الأصلي قبل حصولهم على جنسية بلد اللجوء.
اما عن حكم اللاجئ السوري المتهم بجرائم حرب وإبادة في سوريا على سبيل المثال شبيحة النظام السوري فقال : معظم دول الاتحاد الأوروبي لديها صلاحيات قضائية بملاحقة مرتكبي الانتهاكات ومجرمي الحرب، كما حصل في ألمانيا بملاحقة ومحاكمة شخصيات تابعة للنظام وثبت عليها ارتكاب جرائم ، وهناك بعض الدول حاليا مثل فرنسا تجري تعديلات على قوانينها الجزائية لتتمكن من ملاحقة مجرمي الحرب السوريين المتواجدين على أراضيها.
ولكن لا بد من أدلة حقيقية يتم تقديمها للإدعاء العام في هذه الدول تثبت تورط هؤلاء الأشخاص بهذه الجرائم، وعند ذلك تلجأ الأجهزة فيها لتوقيفهم وتقديمهم للقضاء، وتتم محاكمتهم ، أما الأحكام فتصدر وفقا للقوانين الجزائية لهذه الدول، والسبب في ذلك أن الملف السوري للانتهاكات لم يُنقل بعد إلى محكمة الجنايات الدولية، كما لم يتم تشكيل أي محكمة دولية خاصة بسوريا للنظر في هذه الانتهاكات.
طريقٌ مليء بالمخاطر يضطر الشباب السوري سلوكه على أمل إيجاد مستقبل أفضل من الواقع المعيشي السيء في سوريا ويبقى الأمل لدى الشباب أن يعودوا يوماً إلى أرض عاشوا طفولتهم في أزقتها وكبروا في مدارسها وتركوا فيها أحبتهم.