الليرة السورية تواصل الانهيار في طريقها لانعدام القيمة

موقع 18 آذار – أحمد النابلسي
تدهوراً غير مسبوق شهدتهُ أسعار صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية ، و سجّلت الليرة السورية ، تدهوراً قياسياً جديداً في السوق السوداء لتتجاوز عتبةِ الـ 5000 مقابل الدولار الأميركي في بلد غارق في نزاع دام منذ أكثر من 11 عاما .
بحسب مواقع إلكترونية مختصة بأسعار العملات، ومصادر محلية من السوق السوداء , و في آخر تحديث لأسعار صرف الليرة السورية أمام الدولار، سجلت الليرة السورية انخفاضاً جديداً في سعرها أمام الدولار لتصل في أسواق دمشق، وحلب (5080 للبيع – 5030 للشراء)، أما في أسواق إدلب، فسجل سعر الصرف الليرة السورية، عند سعر شراء 5320، وسعر مبيع 5370 ليرة سورية للدولار الواحد، أما في مناطق شمال شرقي سوريا، فقد سجل (5400 للبيع – 5350 للشراء)، في حين أن مصرف سوريا المركزي قد حافظ في نشراتهِ على سعر صرف ثابت بلغ 3015 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي، وهو السعر الذي حدّده، في 19 أيلول/سبتمبر الفائِت.
انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية السورية,بالتزامن مع ارتفاع الدولار, له انعكاساته السلبية على الحياة المعيشية للمواطنين في عمومِ الجغرافيا السورية، وكل ذلك دون قيام الحكومة السورية بفعل أي إجراءات من شأنها أن تحُدَ من هذا الغلاء.
بسام حسن وهو اسم مستعار, يعمل مدرساً في أحد المدارس الحكومية في سوريا , ولا يتجاوز راتبه 100 ألف ليرة سورية، ويعمل كسائق تكسي في بعد انقضاء عمله الأول في المدرسة , يقول ل موقع_18 آذار , بأنه يعمل عملين، ومع ذلك يصعب عليه تأمين كل احتياجات منزله في ظلِ هذا الغلاء الفاحش .
المعاناة التي يعانيها حسن ليست حالة استثنائية، بل على العكس فهي حالة عامة يعاني منها عموم السوريون في الداخل، ويُلقي تدهور الليرة أمام النقد الأجنبي بضلاله على جميع مفاصل الحياة الروتينية في سوريا ،و لترتفع تسعيرة الأمور الضرورية لتمرير الحياة المعيشية .
العوامل الكامنة وراء انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية .
أبو غياث وهو ناشط واقتصادي تحدث لموقع 18 آذار: بأن هناك عدة عوامل ومتغيرات أدت إلى انهيار الليرة السورية مؤخراً أمام الدولار، من جهة لا يمكن عزل الإقتصاد السوري عن المتغيرات الإقتصادية العالمية من ناحية ارتفاع أسعار المواد الغذائية و الطاقة، وارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى.
ومن جهة أُخرى فان تعليق عمل البنوك، و المصارف اللبنانية مؤخراً ساهم بإضعاف قيمة الليرة السورية، خاصة وأنّ تلك المصارف كانت تساهم بشكل أو بأخر بدفع قيمة الواردات إلى سوريا بالعملات الأجنبية.
وأضاف أبو غياث بأن للعقوبات الأمريكية، و الغربية دور في تدهور الليرة السورية منذ عام 2020، عبر تضييق الموارد المالية التي تتدفق للنظام السوري من الخارج وعزلِهِ عن محيطهِ الإقليمي, إلا أنها لا يمكن أن تكون السبب المباشر للتدهور، حيثُ أن استمرار منظومة الفساد الإداري في المؤسسات الحكومية، وغياب السياسة النقدية للبنك المركزي تؤدي إلى المزيد من الإنزلاق، خاصة وأنّ المركزي لا يزال يعرض صرف الدولار مقابل الليرة السورية بقيمةٍ تعادل أقل من النصف لسعرهِ الحقيقي، مما يدفع بالتجار، والصناعيين إلى شراء الدولار من السوق السوداء لتغطية نفقاتهم، والواردات الخارجية.
وتوقع “أبو غياث ” على المدى القريب، استمرار تدهور في قيمة الليرة السورية، بالتزامن مع توقع أزمة مالية عالمية إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، في ظلِ عدم قدرة النظام السوري على مواجهة التدهور الإقتصادي في سوريا، أو القدرة للحد منه.
تلاشي الطبقة الوسطى، وظهور تجارة المخدرات يعدُ ركناً اساسياً في فقدانِ الليرة السورية لقيمتها .
حسام سعد وهو اسم مستعار لباحث اقتصادي تحدث لموقع “18 آذار : بأن المراقب من بعد الوضع الاقتصادي في سوريا , يرى أنّ التدهور الحالي في مستوى المعيشة مردُه عقوبات اقتصادية فُرضَت على البلد، وأودت بالحالة الإقتصادية للسكان، وأدّت إلى ظهور ما لايخفى على قاصٍ ولا دانٍ من مظاهرِ الفقر، والعوز، وضعف الحال البادي على سكان سوريا عموماً، والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية بشكل خاص، تلك الحكومة التي تغنت لثلاثين عاما بالإكتفاء الذاتي، كوسيلة للصمود ومجابهة الإمبريالية، وقوى استعمارية تتآمر ضد سوريا بوصفها حاملاً لمحور المقاومة، ولكن من يحاول الغوص في أسباب الجوع الحقيقية يرى بشكل واضح انقسام المجتمع السوري في الوقت الراهن إلى طبقتين واضحتين، يفصل بينهما مستوى المعيشة والكثير من الأموال التي يتم جمعها أو إنفاقُها ، ولا تكاد حتى الجغرافيا تجمع بين هاتين الطبقتين في بلد احترف الانقسام والتشظي، وبالنظر في واقع السوريين المتواجدين في تلك المناطق نجد أنّ المواطن أمام خيارين يكاد التمييز أيهما أصعب أمراً من الخيال فإما أن ينجر وراء الترند الداخلي، ويصبح عجلة تدور في دولة المخدرات وصناعتها, أو أن يقرر الحفاظ على ما تبقى من احترام للذات ويحاول البدء بعمل مشروع يسد احتياجاته، وبقدر ما يبدو أن المجال الثاني واسع، و غير محدود إلا أنّ بلد الحالات الخاصة يستطيع ببساطة أن يجعلك تشك في كلِ المفاهيمِ والمسلمات.
ويُضيف سعد بأن العاملون في صناعة، وتجارة المخدرات يحصلون على عوائد مرتفعة نسبياً مقارنةً بالعاملين في أيّ قِطاع آخر، مهما كان العمل فيه رائجاً، وبالتالي يكون لديهم دائماً فوائض نقدية تسمح لهم بملاحقة السلع والخدمات المحدودة المتوافرة هناك، مما يجعل العاملين في بقية القطاعات تحت ضغط تضخمي لأسعار السلع الرئيسية بشكل دائم خصوصاً مع الخطط الحكومية، التي تتجه بشكل متصاعد لرفع الدعم عن السلع الرئيسية مما يُفاقم أزمة محدودي الدخل ،ويزيد التباين في المداخيل المالية بين المواطنين تحت خط الفقر، والذين تبلغ نسبتهم حسب تقديرات الأمم المتحدة ما يزيد عن ٩٠٪ من السكان، و طبقة أخرى تتنافس على سلع الرفاهية من سيارات رياضية،و قصور فخمة.
ويختم سعد بقوله: بأنّ الطريق أمام المواطن العادي مليئٌ بالعقبات, إما الفقر ،أو كسر الحاجز الأخلاقي والإجتماعي ،والدخول في صناعة المخدرات وتجارتها خصوصاً أنها أصبحت شبه مدعومة, ومحمية حكومياً، أو من قِوى الأمرِ الواقع، ولعلّ شهية صناعة ،وتجارة المخدرات لا تقِلُ عن إدمان وشهية تعاطيها، فمن يدخل في هذا المجال عادةً لا يسهل عليه إعادة تكوين قناعات، تجعلُهُ يخرج بمدخراتٍ كافيةٍ للتحول إلى مجال اقتصادي آخر، وغالباً ما ينتهي طريق الداخلين في هذا المجال إما بالقتل، أو الغنى الفاحش، أو التعاطي.
ومن المؤكد أن هناك عوامل أخرى أكثر عمومية من الحالة السورية تتعلق بارتفاع قيمة الدولار أمام بقية العملات، بسبب رفع معدلات الفائدة وبالتالي انخفاض قيمة العملة ،و ضعف الإنتاج ،والبيئة الطاردة للمستثمرين، ورؤوس الأموال وحتى العاملين والمهنيين الموجودين تُضاف إلى الحالة السورية لتصنع واقعاً اقتصادياً ،غاية في السوء ويمكن لأي عاقل أن يستشرف مستقبل أسوأ مع استمرار وجود النظام، الذي اعتمد المخدرات كأحدِ ركائزِ حكمه.