مقاصد الاتفاق السعودي – الإيراني.

موقع 18 آذار .
من المؤكد ان الاتفاق الذي وقع بين المملكة العربية السعودية وايران في بكين برعاية ووساطة صينية في تاريخ 10. آذار 2023، بعد سلسلة من اللقاءات بين الطرفين بوساطات إقليمية ودولية متعددة، استمرت لأكثر من عامين له أسبابه التاريخية وكل طرف من الأطراف المعنية يقصد من وراء من هذا الاتفاق تحقيق هدف او جملة من الاهداف السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وسيكون لهذا الاتفاق ان استمر او نفذت جل او بعض بنوده تاثيرات على عدة اطراف ودول في المنطقة غير مشاركة بشكل مباشر في التحضير او صياغة بنود هذا الاتفاق، كالشعب السوري والدولة السورية على سبيل المثال.
فالوسيط الصيني قد استاطع توجيه صفعة دبلوماسية قوية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الاوسط واوقع الإدارة الأمريكية في حالة ارتباك وعدم قدرة على توضيح موقفها من الترقيع على هذا الاتفاق. فالإدارة الأمريكية كانت تراقب باهتمام سلسلة اللقاءات والمباحثات التي كانت تجري في بغداد ومسقط وعمان بين السعودية والإيرانيين وكانت تراهن على عدم قدرة الطرفين على التوصل إلى أي اتفاق بينهما. ومن غير المتوقع ان تبقى الإدارة الأمريكية صامتة وعدم فعل شيئ، وربما ترغَها على إعادة النظر بسياستها المراوغة والمخادعة تجاه السعودية وللعرب بخصوص الموقف من سياسات إيران ومن المشروع التوسعي الفارسي في المنطقة، وذلك من خلال ممارسة الصمت، بل دعم عصابات الحوثي في اليمن، بقصد استنزاف السعودية، والصمت على اذرع إيران التخريبية، العراقية واللبنانية، وتدخل هذه العصابات والاذرع السافر في سوريا والعراق ولبنان لصالح المشروع الفارسي التوسعي على حساب الدول العربية.
والمملكة العربية السعودية ربما تقصدت من انجاز هذا الاتفاق مع ايران تحقيق ثلاثة أهداف اساسية:
1. تخفيف حدة التدخل الإيراني في دول المحيط العربي
2. ابعاد امكانية الانتقام العسكري الإيراني من السعودية في حال ان تم توجيه ضربة عسكرية أمريكية – إسرائيلية الى المنشأت العسكرية النووية الإيرانية، وتلافي وتجنب امكانية توريط السعودية بحرب استنزاف مباشرة مع الغزاة الفرس.
3. وتأكيد استقلالية اتخاذ القرار السياسي السعودي وتحرير ممن هيمنة الاملاءات الأمريكية والغربية، بل وتوجيه نقد ورسالة عدم رضا عن السياسة الأمريكية تجاه السعودية مصالحها في موضوع المفاوضات الجارية مع ايران حول المشروع النووي الإيراني منذ تاريخ توقيع الاتفاق النووي عام 2015 بين إيران ومجموعة 5+1, حيث تم إهمال مصالح السعودية والعرب ولم يؤخذ بها في بشل تام.
والطرف الإيراني الرئيسي في هذا الاتفاق يقصد من عقد هذا الاتفاق تحقيق عدد من الاهداف الاساسية:
أولها هو كسر حالة العزلة والحصار السياسي والاقتصادية المفروضة على إيران من زمن طويل، وتشجيع دول إقليمية ودولية على فتح باب العلاقات معها، ومع شركائها وعملائها في المنطقة المنبوذين دوليا، كالنظام في بغداد، ونظام الشبيحة في دمشق.
وثانيا سحب فتيل إشعال حرب محتلة مدمرة ضد إيران من خلال تخفيف حدة العداء، ولو مؤقتاََ، بين إيران ودول المنطقة, واحراج الولايات المتحدة إقليمياََ ودولياََ وثنيها عن الأقدام على عمل عسكري ضد منشاتها العسكرية النووية. وقد ساهم في وسرع في اقدام إيران على تقديم تنازلات استراتيجية وجوهرية كبيرة للسعودية من حيث نصوص الاتفاق على الاقل، في التوقف عن التدخل في شؤون دول الجوار، والتوقف عن دعم الحركات الإرهابية التخريبية في المنطقة المرتبطة بايران وبالمشروع الفارسي التوسعي في المنطقة، هي جدية التحركات العسكرية الأمريكية الاخيرة في المنطقة، وجدية التحضيرات السياسية والعسكرية الأمريكية والاسرائيلية، التي توحي بقرب تنفيذ هجمات عسكرية نوعية ضد إيران، ربما تكون قاصمة تنهي المشروع النووي الإيراني وتعيد إيران من الناحية الاقتصادية والاجتماعية عشرات السنين إلى الوراء.
أما ثالثا هي توجه رسالة إلى روسيا والصين بأن الحليف الإيراني لا زال يمتلك أوراق القوة من الناحية الإستراتيجية ويمكن الاعتماد علبه في اختراق وازعاج مكانة ووجود العدو الاستراتيجي لهاتين الدولتين في اهم مواقعها الإستراتيجية وأكثرها حساسية، الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي.
وبالنسبة لسوريا، وفي غياب تام لدور القوى الوطنية السورية، فان تاثيرات هذا الاتفاق على الواقع السوري سيشجع بعض القوى العربية التي ترى بمجرد التوقيع على هذا الاتفاق فرصة لاعادة العلاقات مع نظام الشبيحة، الترويج لضرورة التطبيع مع هذا النظام، تحت ذريعة إعادة سوريا للمحيط العربي، وكذلك بذريعة إيجاد حل للوضع السياسي المستعصي في سوريا، بعيدا عن قرارات الشرعية الدولية، التي تنص على أن الحل في سوريا يأتي من خلال تشكيل هيئة حكم مؤقتة كاملة السلطات التنفيذية، حسب نص بيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2118 وقرار مجلس 2254.
ومن المؤكد هذا الاتفاق، ولو مؤقتاََ، سيريح تركيا وسيفر عليها عناء البحث عن مبررات لاعادة العلاقات مع نظام العصابة في دمشق، وتنفيذ ما تم الاتفاق حوله بين اطراف محور استانا، روسيا إيران وتركيا، بضرورة إعادة وتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
هل ستلتزم الأطراف المعنية المباشرة والغير مباشرة في تنفيذ بنود هذا الاتفاق، والذي يعني في صلب وجوهر بنوده، تقديم إيران تنازلات كبيرة، اقلها هو إنهاء دور إيران التخريبي في المنطقة العربية، والغاء مشروع التوسع الفارسي في المنطقة، وبناء الامبراطورية الفارسية المزعومة؟
وهذا ومن المؤكد بأن ملالي إيران لن يقدموا على الالتزام بتنفيذ ما تم التوافق عليه والتوقيع عليه مع السعودية، وسيتم خرق والتنصل من هذا في أول فرصة ستسنح لحكام إيران بذلك.
ام ان هذا الاتفاق خلق اصلاََ ومن البداية فقط لتجاوز مرحلة زمنية حرجة وجدت بها إيران، تهدد كيانها السياسي برمته.
داخليا على وقع ثورة الشعوب في ايران، وخارجياََ على وقع التهديدات العسكرية الأمريكية المحتملة ضد إيران. من البداية بأن حكام إيران يقصدون المراوغة وكسب الوقت وتجاوز الاخطار الوجودية الحقيقية من وراء صياغة والتوقيع على هذا الاتفاق، ولم يكن القصد من البداية تنفيذ بنوده وتحقيق مقاصد الاتفاق المعلنة؟
المعيقات والعثرات التي تقف في طريق تنفيذ الاتفاق السعوي – الإيراني الاخير بواسطة ورعاية صينية كبيرة وكثيرة، وان القوى المتضررة من هذا الاتفاق قوية وفاعلة على المسرح الإقليمي والدولي ، ليس اقلها الإدارة الأمريكية. وهذه القوى لن تصمت على هذا الاتفاق، وسيكون لها دور بشكل من الأشكال في مستقبل ومصير هذا الاتفاق النوعي في تلك المرحلة الزمنية الحساسة، وفي زمن الاصطفافات الدولية الجارية على قدم وساق على دا وقع الحرب الروسية على اكرانيا، وتنامي الحضور والدور الصيني على المسرح الدولي.
المصدر: خالد المسالمة، دكتور مختص في العلوم السياسية والاجتماعية.