المقالات

التعليم الجامعي في سوريا من المراتب العليا إلى الحضيض

 

التعليم الجامعي في سوريا من المراتب العليا إلى الحضيض

موقع 18 اذار، أسامة المقداد.

من الجامعات التي كانت تحتل المرتبة الأولى في سلم التصنيف العالمي والعربي، إلى جامعات تلفظ أنفاسها الأخيرة وتقاوم فقط لبقاء اسمها، بعد أن عاث فيها الفاسد والدنو ما أفسدوا.

لنعود إلى الماضي قليلاً ونذكر لمحة ونفتح صفحة من كتاب تاريخ عريق يحكي لنا عن تأسيس أول جامعات أخذت فور مسيرها سيرة حسنة من تفوق وتميز وصدق وأمانة، حتى تهافت الناس عليها من كل حدب وصوب لينالوا شرف الشهادة الجامعية السورية (جامعة دمشق).

أما الآن، دعنا نعود إلى هنا، إلى ما نحن فيه اليوم، إلى من أضاع طريق الجامعات ووصل بها حد الهلاك وتركوا طلاب في عمر الزهور تائهين في دهاليزها وظلامها ويلفظون عقدا كاملا من أعمارهم ليأخذوا شهادة ورقية لا تطعمهم من جوع ولا تأمنهم من خوف.

كم كان مؤلماً ما روي من شهادات رواها عدد من الطلاب في الجامعات السورية، وإلى الحال التي آلت إليه، وبعد أن كانت جامعات حكومية يُشهد بنبل وكفاءة أصحابها، أضحت اليوم جامعات ماديةً يحكمها المال والسلطة، حيث إن الشهادات التي يتم تحصيلها من الجامعات السورية اليوم أصبحت مجرد ورقة في ظل الوضع الحالي.

حالة الجامعات السورية، المال مقابل النجاح.

قد وصلت الأمور في الجامعات السورية إلى مستوى لا يطاق، حيث أصبح المال هو العامل الحاسم لتحقيق النجاح الأكاديمي. أصبح لكل مادة تسعيرة خاصة بها، تحددها أساتذة الجامعة بدون أي رقابة أو مساءلة. وصلت تلك التسعيرات إلى مبلغ لا يقل عن ستمائة دولار أمريكي لضمان النجاح في إحدى المواد.

كل هذا يحدث في ظل ظروف اقتصادية صعبة ومعيشية متدهورة يعاني منها السكان في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام. فالأهالي غير قادرين على تأمين أبسط احتياجاتهم لأبنائهم الذين يدرسون في الجامعات. هذا الواقع يضعهم في مأزق، حيث يجدون أنفسهم مضطرين لدفع مبالغ مالية هائلة من أجل الحصول على تعليم جيد وضمان النجاح، بينما يعانون من ضيق الحال وعدم قدرتهم على تلبية احتياجات أساسية.

أحمد، طالب في كلية الصيدلة بالسنة الثالثة، شارك في مقابلة مع موقع 18 اذار وكشف عن واقع صادم في الجامعات السورية، و أفاد بأن سعر النجاح في المادة الواحدة وصل إلى خمسمئة دولار، وقد يكون أعلى في بعض الأحيان.

وختم أحمد حديثه مع موقعنا، بسرد قصة زميل له، حيث طلب منه أحد الأساتذة دفع ليرة ذهبية كاملة مقابل نجاحه في إحدى المواد، بعد محاولات عديدة فشلت بدون جدوى، وأشار إلى أن معظم الطلاب لا يمتلكون حتى ثمن سندويشة فلافل، فكيف يمكنهم تأمين مبالغ هائلة مثل هذه بعد أن أصبحت ممارسة شائعة من قبل بعض أساتذة الجامعة.

ومن الجدير بالذكر أن الأرقام المذكورة هي ارقام كبيرة ولاتعرف طريقا الى جيوب غالبية السوريين، حيث يتقاضى الكثيرون منهم مبلغاً قدره 100,000 ليرة سورية في نهاية الشهر، وهو يعادل فقط عشرة دولارات تقريباً.

تلك القصص تعكس واقعًا مؤلمًا في الجامعات السورية، تحولت الجامعات من مساحة لنشر المعرفة وتطوير القدرات الى ساحة للابتزاز والرشوة، وكل ذلك يتطلب إصلاحًا شاملاً وجذريًا للنظام التعليمي وتعزيز الشفافية والمساءلة لضمان فرص تعليمية عادلة ومتساوية لجميع الطلاب.

  • مطالب غير أخلاقية مقابل النجاح *

يتزايد يوما بعد يوم استغلال للطالبات الجامعيات بشكل متزايد، فنظرًا لعدم قدرتهن على تأمين المال، يتعرضن للتحرش ومواجهة مطالب غير أخلاقية في حرم الجامعة، وفي القاعات الدراسية ومكاتب السلطة، وأرفض توضيح تفاصيل محددة هنا، حفاظًا على سمعة الأشخاص المعنيين ولأن هذه الأحاديث تتعارض مع القيم الأخلاقية.

*السلطة والمال هو طريق النجاح *

قد تم تشويه عملية التعليم بسبب سلطة الأمر الواقع والتلاعب بأنظمة التعليم، حيث يتمكن فقط أولئك الذين يمتلكون المال والنفوذ من الحصول على شهادات جامعية ممتازة دون أدنى مجهود أو دراسة، فيكفي أن يكون لديهم المال في إحدى أيديهم وصلة قرابة مع أحد المسؤولين لضمان حصولهم على الشهادة.

وصار طلب العلم في بلاد لا توفر أبسط مقومات الحياة يشبه الانتحار، فهو مثل المشي حافي القدمين في طريق مليء بالزجاج المكسور، أو مثل وضع نفسك أمام الموت وتقول “سأعيش”.

لقد أصبحت أحلام الطلاب الجامعيين أقصى ما يمكن تصوره هو وسيلة نقل تمكنهم من الوصول إلى الجامعة في الصباح الباكر، لكي لا يتعرضوا للعقاب أو الحرمان في حال تأخروا، وذلك على يد أولئك الذين ليس لديهم أي شيء من الإنسانية في قلوبهم، أو أن يجد الطالب مصباحًا يمكنه من الدراسة تحت ضوءه، في ظل غياب شبه كامل للكهرباء، بدون الحاجة للخروج والدراسة تحت أضواء الأعمدة، كما يحتاج الطالب أيضًا إلى مصدر دخل كافٍ لتأمين احتياجاته الأساسية من الطعام والشراب، وشراء المحاضرات، فراتب والده الحكومي لا يكفيه كمصروف لمدة أسبوع واحد.

تتجلى من خلال قصة أحمد التي تحدث عنها لموقع 18 اذار، قسوة الواقع الذي يعيشه العديد من الطلاب الجامعيين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والتحديات المتزايدة في سوريا ففي قصة أحمد، طالب في السنة الثانية من كلية الهندسة في جامعة حلب، تكشف حقيقة صعوبة الحياة الجامعية في ظل الأوضاع الراهنة، و يروي أحمد تحدياته اليومية والتعب الذي يعانيه بسبب الدراسة والعمل.

حيث يبدأ يوم أحمد في السادسة صباحًا، حيث يسعى لإيجاد وسيلة نقل تنقله إلى الجامعة. وبعد انتهاء ساعات الدراسة في الثانية ظهرًا، يتوجه مباشرة إلى عمله في إحدى محلات المعجنات في أسواق حلب، ويستمر في العمل حتى الساعة الثالثة، و يعود إلى منزله في الساعة الثانية عشرة لينام متعبًا ومنهكًا في سريره، ويحلم بغدٍ أفضل.

أحمد يشير إلى أن الضغوط المعيشية الصعبة والارتفاع المضطرد في تكاليف الحياة هي ما دفعه للعمل، حتى راتب والده الحكومي لا يكفي لتلبية احتياجات الأسرة من الغذاء والمواد الأساسية، فكيف يمكن لوالده أن يتحمل هذه الأعباء وهو مجبر على دفعها بمفرده، وهي تفوق حتى قدرة الجبال على تحملها.

كل تلك الظروف القاسية التي يواجهها أحمد جعلته يلجأ إلى سوق العمل، لتأمين قوت يومه ومصاريفه الشخصية وإيجار سكنه وتكاليف المحاضرات،.

جل تلك الشهادات والروايات التي سمعناها اودت لطرق محفوفةٍ بالتعب والقهر ، فقسمت فئة الشباب إلى من سيفني عمره مابين دراسة وهربٍ من العسكرية وعملٍ ليستطيع أن يمضي قدماً عله يلمح ضوءً في آخر نفقهِ ويشرق عليه فجرٌ جديد .

وبعضهم الآخر شتم البلاد بكل ما فيها وتخلى عن هذا الشرف وهذه المنازعة وابتعد عن سبيل العلم والهجرة خارج البلاد باحثاً عن فرصة عمل يعيش من خلالها ويبني مستقبلاً اشبه ما يسمى بلعنة ابليس والغريب في الأمر وبعد كل هذا لم يروي لي أحدهم عن أحلام مستقبله البعيد، عن تأسيس عائلة وايجاد عمل باختصاص افنى سنوات من عمره لأجله كانوا مدركين تماماً أن لا مستقبل هنا، فأحلامهم مقصوصة الجناحين حقائق لم يتخيل لك يوماً أن تسمعها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى