الاحتفالات الباذخة وتجاهل الوحدة العربية في ظل الأزمة الفلسطينية

موقع 18 اذار-احمد النابلسي.
في محافظة درعا، يعيش أهاليها حالة عارمة من الغضب، مستنكرين الانتهاكات الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي تجاه المدنيين في قطاع غزة بشكل خاص، وفلسطين عموماً، وسط صمت عربي مثير للجدل ويستفز الشعوب العربية على نحو لا يمكن تجاهله.
هذه المشاعر الغاضبة تنم عن الاستياء والغضب الشديدين لدى سكان محافظة درعا، الذين يشهدون بصمت على جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان الفاضحة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة، فالاحتلال الإسرائيلي يستهدف بشكل متعمد ومتكرر المدنيين الأبرياء، ويدمر بنى تحتية حيوية ومرافق حيوية، مما يتسبب في معاناة بشعة للسكان المحليين.
وما يثير استياء الأهالي في درعا بشكل خاص هو الصمت المحيط بهذه الانتهاكات من قبل العالم العربي، الذي يطغى عليه الهدوء وعدم التحرك الفعال لمواجهة هذه الجرائم المستمرة، و يعتبر هذا الصمت استفزازًا للشعوب العربية عامة، الذين يعتبرون فلسطين قضية مركزية وحق أساسي للشعب الفلسطيني.
ويقول ” أبو محمود” وهو من سكان بلدة المزيريب، لموقع 18 اذار، بأنه وفي ظل هذا الاحتقان الشعبي الذي يعم محافظة درعا والمشاعر الملتهبة الممزوجة بالحزن، تبرز حالات استثنائية تعكس عدم الاكتراث لتدفق الدم العربي في فلسطين، فبعض الأفراد يمارسون طقوس الفرح في حفلات الزفاف الباذخة، وسط أجواء الموسيقى الصاخبة، وهذا ما يعتبر تجاهلاً لقيم التضامن ووحدة الدم العربي والإسلامي.
وبحسب ” أبو محمود” فان هذا السلوك يعكس عدم الاكتراث للأحداث المأساوية التي تحدث في فلسطين وعدم التضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته، إنها ظاهرة تنم عن فقدان الوعي والإحساس بالمسؤولية الإنسانية والاجتماعية تجاه إخواننا في فلسطين، ولابد من أن يتعاطى الأفراد والمجتمعات مع هذه الحالات الشاذة بجدية، وأن يعملوا على تعزيز الوعي والتضامن، ولا بد من التذكير بأهمية الوحدة العربية والمساندة المتبادلة في وجه الظروف الصعبة.
ويشير ابو محمود بأنه من الواجب علينا تذكر أننا جميعًا جزء من جسد عربي واحد، وأن تهمة الألم والحزن واحدة تمامًا بغض النظر عن الحدود الجغرافية.
في حديث للحاج أبو عبد الله، مع موقع 18 اذار وهو من أهالي بلدة تسيل، أعرب عن استياءه من تغير العادات والقيم في المجتمع، وأشار إلى أن في الماضي، عندما يتوفى أحد الأشخاص في القرية، كان يتم تنظيم فترة حداد تستمر لمدة أربعين يومًا، وكانت الفرح والاحتفالات تلغى تمامًا احترامًا لمشاعر أهالي الفقيد، ولكن في الوقت الحالي، أصبح لا أحد يهتم بألم الآخرين، ولا يشعر الجيران بحزن بعضهم البعض، و في بعض الأحيان، يمكن أن يحدث أن يكون هناك فرح وحزن في نفس الشارع ويفصل بينهما مسافة قصيرة، يعكس هذا التغيير في السلوكيات المجتمعية فقدان الرقي والتضامن الاجتماعي الذي كان موجودًا في الماضي.
و يعبر الحاج أبو عبد الله عن غضبه الشديد إزاء ما يتعرض له المدنيون في قطاع غزة من عمليات قتل عنصرية ممنهجة، تهدف إلى القضاء على شعب مقاوم للاحتلال، هذا الغضب يعكس الاستنكار الشديد والاستياء من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحياة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة.
وفي حديث أبو أحمد، الذي يعيش في جمهورية مصر، مع موقع 18 اذار، عن استيائه من استمرار حفلات الأعراس في الدول العربية، ويرى ذلك كدليل على فقدان معايير الوحدة والتضامن العربي والإسلامي العديد من خصائصها، و يصل الأمر إلى حد أن إخواننا في قطاع غزة يتعرضون للقتل والقصف وتدمير منازلهم، في حين يستمتع آخرون من أبناء الأمة العربية والإسلامية بالاحتفالات الباذخة.
وبالعودة الى الحاج أبو عبد الله فإنه يعتقد أن سبب سكوت الدول العربية يعود إلى العهود والمواثيق التي تم توقيعها بين حكام الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية قبل توليهم مناصب الحكم في بلدانهم، و يرى أن هناك خوفًا من قبل الدول العربية، من ردة فعل الولايات المتحدة، في حال قيامهم بعمل غير متفق عليه، من شأنه تخفيف حدة الجرائم التي ترتكبها القوات الاسرائيلية، بحق ابناء غزة.
ولابد من الاشارة الى أن هناك تاريخ من التعاون والتفاهم بين بعض الدول العربية والولايات المتحدة، وقد تم توقيع اتفاقيات ومعاهدات تتعلق بالأمن، الاقتصاد، والسياسة، وقد يكون هذا التعاون قد أثر على سلوك الدول العربية في مواجهة القضايا الإقليمية، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
عندما سئل عن سبب صمت محور المقاومة في سوريا وإيران ولبنان، أجاب الحاج أبو عبد الله بأن حافظ الأسد هو من باع هضبة الجولان من أجل تمكينه من حكم أرض الشام وورث هذا الحكم لابنه الرئيس الحالي، وأضاف أن من يرتكب جرائم قتل بحق أهل السنة في العراق وسوريا ولبنان، لن يتمكن من مساعدة أهل السنة في قطاع غزة، واعتبر أن طلب المساعدة منهم مضيعة للوقت، لأنه حتى لو صحت ادعاءاتهم، فلن يكون هناك فرصة أفضل للمساعدة من الوضع الحالي، وأشار إلى أنه حتى لو تمكنت المقاومة الفلسطينية في غزة من الصمود أمام الغزو البري، فإنها لن تتمكن من التعافي لمدة تصل إلى عشرين عامًا بسبب الخسائر الكبيرة التي ستتكبدها.
و أعرب الحاج عن أمنيته بأن يتحمل أهل سوريا بشكل عام، وأهل حوران بشكل خاص، مسؤوليتهم الإنسانية تجاه المأسي الدموية التي تجري، وتمنى أن تنكس الرايات بحزن على المجازر التي ترتكب بحق أطفال غزة، الذين هم إخوة في الدين والقضية، وأكد على أن القضية الفلسطينية لا ينبغي أن تكون مجرد ذريعة للالتفاف حولها، بل يجب أن تكون هدفًا أساسيًا لكل مسلم يغتنم الفرصة للدفاع عن دينه وعرضه وكرامته بكل غيرة.
وفي النهاية فإن غزة لازالت ترزخ تحت حالة من الدمار، نتيجة الاستهداف الذي تعرضت له بواسطة صواريخ وقذائف من جميع الأنواع، مصدرها قوات اسرائيلية، كرد فعل على العمل الذي قامت به فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع بعد اقتحامها للمستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة في السابع من أكتوبر الحالي.