بالأدلة العلمية
ثورة الكرامة: لماذا هي ثورة وليست حرب أهلية
منذ اندلاع الأحداث في سورية في 18 آذار 2011، كانت هناك جدلية حول تصنيفها: هل هي ثورة ضد نظام استبدادي، أم أنها حرب أهلية؟ لفهم هذا الجدل بشكل علمي، يمكننا الاستناد إلى بعض المفاهيم والنظريات في علم الاجتماع السياسي والعلوم السياسية.
أولاً: الانتفاضات الشعبية كنتاج للظلم الاجتماعي
وفقًا لنظرية “الحرمان النسبي” في علم الاجتماع السياسي، تتحرك الجماعات عندما يشعرون بأنهم محرومون من حقوقهم الأساسية مقارنة بما يتوقعونه أو ما يمتلكه الآخرون. ما حصل في سورية يمكن تصنيفه كحالة من “الحرمان النسبي”، حيث كانت الانتفاضة الشعبية رد فعل على الإهانة التي تعرض لها أهالي حوران بعد اعتقال وتعذيب أطفال درعا. هذه الأحداث أظهرت عمق الفجوة بين تطلعات الشعب في الكرامة والحرية وبين الواقع القمعي الذي فرضه النظام، مما دفع الشعب إلى التحرك السلمي.
ثانيًا: سلمية الثورة وتأخر تحولها إلى العنف
في دراسة الحركات الاجتماعية، يُعتبر الحفاظ على السلمية مؤشراً على طبيعة المطالب الشعبية. الثورة السورية استمرت سلمية لمدة لا تقل عن سبعة أشهر، مما يؤكد أن الحراك كان موجهاً نحو التغيير السلمي وليس العنف.
النظرية “اللامقاومة” التي نوقشت في علوم السياسة تشير إلى أن الحركات السلمية غالبًا ما تتبنى استراتيجيات غير عنيفة لتحقيق التغيير، وهو ما كان واضحًا في المرحلة الأولى من الثورة السورية.
ثالثًا: عنف النظام كمحفز للعسكرة
من خلال تحليل ديناميات العنف السياسي، نجد أن العنف الذي يمارسه النظام على المدى الطويل يؤدي إلى ما يسمى بـ “العسكرة القسرية” للحركات الشعبية.
في حالة سورية بدأ النظام باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين، مما دفع بعض الجماعات إلى حمل السلاح كرد فعل دفاعي، وهو ما يُعرف في العلوم السياسية بنظرية “العنف المضاد”.
هذا العنف لم يكن نتيجة لخطة مسبقة من المعارضة، بل كان رد فعل قسري على عنف النظام.
رابعًا: استراتيجيات النظام في عسكرة الثورة
في دراسات النزاعات المسلحة، غالبًا ما تلجأ الأنظمة الاستبدادية إلى استراتيجية “العسكرة الموجهة” لتبرير قمعها، من خلال إدخال عناصر متطرفة إلى الصراع.
النظام السوري وحلفاؤه سهلوا دخول العناصر الإرهابية بهدف تشويه صورة الثورة وعسكرتها وهو ما يتماشى مع مفهوم “الإرهاب من الأعلى”
حيث يقوم النظام بإدخال أو تضخيم خطر الإرهاب لتبرير استخدام العنف المفرط ضد المعارضة.
خامسًا: الحرب الأهلية مقابل الثورة
تصنيف الصراع في سورية كحرب أهلية يتطلب تحليلًا معمقًا للبنى الاجتماعية والمطالب السياسية.
الحرب الأهلية، بحسب التعريف الأكاديمي، تُعرف على أنها صراع داخلي بين جماعات داخلية حول السيطرة على الدولة أو حول القضايا المتعلقة بالهوية.
لكن ما حدث في سورية لم يكن نزاعًا بين مجموعات مختلفة من المجتمع على السلطة، بل كان نزاعًا بين نظام استبدادي وشعب يسعى للتحرر.
وفقًا لنظرية “الثورة ضد الاستبداد” ما حدث في سورية يمكن اعتباره ثورة شعبية ضد نظام قمعي وليس حربًا أهلية بين طوائف أو إثنيات مختلفة.
من خلال الاستناد إلى هذه النظريات والمفاهيم من علم الاجتماع السياسي والعلوم السياسية، يتضح أن ما حدث في سورية لم يكن حربًا أهلية، بل ثورة شعبية ضد الظلم والقمع.
الثورة السورية تعبر عن إرادة شعبية للتغيير في مواجهة نظام رفض الإصلاح ولجأ إلى العنف لتثبيت حكمه.
لذا يجب أن ننظر إلى الأحداث في سورية على أنها جزء من الكفاح العالمي من أجل الحرية والكرامة، وليس كحرب أهلية داخلية.