تبنّى نظام الأسد بعد عام 2020 سياسة إعلامية تروّج لعودة الحياة إلى طبيعتها في سوريا. وركّزت هذه السياسة على جذب بعض المشاهير العرب لتصوير البلاد كأنها آمنة، مُعلنةً نهاية الحرب وانتصار الأسد. كما سعى النظام لجذب الشباب العرب لزيارة المناطق الخاضعة لسيطرته، وذلك بهدف إنعاش الاقتصاد المحلي من خلال زيادة عدد السياح.
واقع الخطف والتهديد
رغم هذه الجهود الإعلامية، يجد بعض الشباب العرب الذين يقتنعون بزيارة سوريا أنفسهم واقعين في فخ الأجهزة الأمنية. تقوم هذه الأجهزة بتحري المعلومات عن هؤلاء الزوار، ولا سيما وضعهم المالي، لتقييم إمكانية خطفهم والمطالبة بفدية مقابل إطلاق سراحهم.
دور مشاهير تيك توك*
يشتهر بعض مؤثري “تيك توك” من جنيات عربية بمحاولات غسل أدمغة المتابعين وإيهامهم بأن سوريا بلد آمن. يُستخدم هؤلاء المشاهير كأدوات دعائية لتعزيز الصورة الإيجابية التي يسعى النظام لترويجها.
توجيه تصوير المشاهير في سوريا: إبراز مناطق السلام وإخفاء مواقع النزاع
من الملاحظ أن نظام الأسد يسعى بشكل متعمد لتوجيه مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما على منصات مثل تيك توك وإنستغرام، لتصوير مناطق معينة في سوريا تعكس صورة من السلام والاستقرار. يُركز هؤلاء المشاهير على تصوير الأماكن التي لم تشهد اشتباكات مباشرة أو دمارًا كبيرًا، مثل الأسواق القديمة التي لا تزال تحتفظ ببعض طابعها التاريخي، والمناطق السياحية، بالإضافة إلى المطاعم والكافيهات والحدائق التي تشهد نشاطًا مدنيًا.
هذه الاستراتيجية تهدف إلى خلق انطباع لدى المتابعين بأن الحياة في سوريا قد عادت إلى طبيعتها، وأن البلاد تعيش حالة من الاستقرار يمكن للسياح والزوار الأجانب الاستمتاع بها. يظهر هؤلاء المشاهير في مقاطع الفيديو وهم يتجولون بحرية، ويتفاعلون مع السكان المحليين في أجواء توحي بالراحة والأمان.
المناطق المحظورة على التصوير: إخفاء آثار الدمار
في المقابل، تُفرض قيود صارمة على التصوير في المناطق التي شهدت معارك طاحنة ودمارًا واسع النطاق خلال سنوات الحرب. يُمنع المشاهير من تصوير مناطق مثل داريا والغوطة الشرقية وحمص القديمة وبعض أحياء حلب التي تحمل آثارًا واضحة للدمار والمعاناة. يتم تنفيذ هذا التوجيه تحت رقابة مشددة من قبل الأجهزة الأمنية، بهدف منع أي مشاهد قد تشوه الصورة المثالية التي يسعى النظام إلى ترويجها.
من خلال هذه السياسة الانتقائية في الترويج، يحاول النظام السوري تقديم نسخة مُعدلة من الواقع، تُظهر جانبًا واحدًا فقط من المشهد السوري، مع إخفاء الجانب الآخر الذي يُظهر المعاناة والدمار المستمرين. يثير هذا التوجه تساؤلات حول مصداقية المحتوى الذي يُقدمه هؤلاء المشاهير ودورهم في تعزيز أجندة سياسية تسعى لإعادة تأهيل النظام أمام المجتمع الدولي.
التنسيق وعمليات الخطف
بعد جمع المعلومات، تتولى الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، تنفيذ عمليات الاعتقال والخطف. يُنقل الضحايا إلى مواقع مجهولة، حيث يتعرضون للتعذيب. تُصور مقاطع فيديو للضحايا وهم يطلبون المال من عائلاتهم، وغالباً ما تُعطى العائلات مهلة زمنية قصيرة لدفع الفدية قبل أن يُقتل الضحايا وتُخفى جثثهم.
حوادث خطف حديثة
وقعت مؤخراً حادثة خطف شابين أردنيين، ماهر الصوفي ومحمود عويضة، يعملان في مجال السفارات. كانا في طريقهما من دمشق إلى الأردن عبر معبر نصيب الحدودي، بعد إنهاء أعمالهما في دمشق، عندما تم اختطافهما من قِبل عناصر مجهولة. يُذكر أن هذه المنطقة تشهد نشاطاً مكثفاً لعناصر من حزب الله اللبناني والأمن العسكري، مما يزيد من حالة القلق والخوف لدى زوار تلك المناطق.
التصعيد الأمني والآثار الاجتماعية
إن تزايد عمليات الخطف والاعتقال في مناطق سيطرة النظام السوري لا يقتصر فقط على الزوار الأجانب، بل يمتد أيضًا إلى المواطنين السوريين. يسود الخوف بين السكان المحليين من التحدث علنًا ضد النظام أو حتى الانتقاد بشكل غير مباشر، وذلك بسبب الرقابة الشديدة والملاحقة المستمرة من قبل الأجهزة الأمنية. أصبح سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يعيشون في حالة من القلق الدائم، مما يؤثر على حياتهم اليومية وعلى تفاعلهم الاجتماعي.
*التغطية الإعلامية الدولية والمحلية*
رغم الجهود الإعلامية للنظام السوري في ترويج صورة مستقرة للبلاد، تبرز وسائل الإعلام الدولية والمحلية المستقلة الحقيقة من خلال تسليط الضوء على الانتهاكات والجرائم التي تُرتكب. تعتمد هذه الوسائل على شهادات الناجين والتقارير الحقوقية، مما يكشف الستار عن عمليات القمع والخطف والتعذيب التي تُمارس بشكل ممنهج.
دور الميليشيات الإيرانية وحزب الله
يلعب حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية دورًا محوريًا في تعزيز سيطرة النظام على مناطق معينة، خاصة تلك القريبة من الحدود اللبنانية. تعمل هذه الميليشيات على تنفيذ عمليات عسكرية وأمنية جنبًا إلى جنب مع القوات النظامية، مما يزيد من حالة التوتر ويعزز مشاعر العداء بين السكان المحليين. كما تساهم هذه الميليشيات في عمليات الخطف والابتزاز، حيث تُعتبر هذه الأنشطة مصدرًا رئيسيًا بعد المخدرات لتمويل نشاطاتها المسلحة.
الآثار الاقتصادية
تشكل عمليات الخطف والابتزاز عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على العائلات المتضررة، حيث تُطلب فديات باهظة مقابل إطلاق سراح ذويهم. هذا الوضع يساهم في تفاقم الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها سوريا، حيث يتسبب في هروب الاستثمارات وتدهور السياحة، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة والفقر. كما يؤدي هذا الوضع إلى تضييق دائرة التعاون الاقتصادي بين سوريا والدول المجاورة، مما يعمّق من عزلة البلاد.
المناشدات الحقوقية والمجتمع الدولي
وجهت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية نداءات عاجلة للمجتمع الدولي للتدخل لحماية المدنيين وإجبار النظام السوري على وقف انتهاكاته. يُطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات إضافية على الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام السوري والمتورطين في جرائم الخطف والتعذيب. هذه المناشدات تهدف إلى فرض ضغط دولي متزايد لإجبار النظام على تغيير سلوكه والالتزام بمعايير حقوق الإنسان.
الختام: مستقبل غامض
مع استمرار عمليات القمع والخطف، يبقى مستقبل سوريا غامضًا ومقلقًا. ورغم محاولات النظام لإظهار السيطرة والاستقرار، تظل البلاد في حالة من الفوضى والاضطراب. تظل المساعي الدولية لحل الأزمة السورية محط أنظار العالم، على أمل التوصل إلى تسوية سياسية تُنهي سنوات من الحرب والعنف، وتضمن العدالة والسلام لجميع السوريين.