موقع 18 اذار-أحمد النابلسي.
أمام تخلي الحكومة السورية عن مسؤولياتها لتحسين واقع البلاد, وامام ماتشهده البلاد من تفاقم الوضع المعيشي العام، وتدهور الاقتصاد الرسمي للبلاد فقد اطلقت الفعاليات المحلية في محافظة درعا، مبادرة أهلية أطلق عليها “الفزعة” وتهدف إلى جمع تبرعات من الأهالي داخل سوريا وخارجها من أبناء المحافظة نفسها.
انطلقت هذه المبادرات بنوايا معلنة لانقاذ الواقع الاقتصادي المتفاقم الذي يعاني منه عموم الناس في الجنوب السوري, وتهدف لتلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين، وتنفيذ بعض المشاريع الخدمية الأساسية، والتي تتمثل في حفر الآبار, وإنارة الشوارع,وترميم بعض المدارس .
وراء كل خبر حكاية غامضة؛ و ما كان مبيتا وغير معلن هو تفاعل الحكومة السورية مع “المبادرات الشعبية” حيث انها لم تخلو من وقوف النظام في ادراتها من خلف الكواليس, حيث تصدر مجلس محافظة درعا المشهد, والذي تمثل دوره في جمع وجهاء كافة العشائر في البلدات التي تهدف لاطلاق هذا النوع من المبادرات، وذلك في سبيل تشكيل اللجنة المشرفة على جمع التبرعات، من الوجهاء وأعضاء البلديات في المدينة¸ وهذا بحسب أحد أعضاء اللجنة الأهلية القائمة على مبادرة الفزعة، شريطة عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.
بحسب مصدر اخر رفض الكشف عن اسمه لدواع أمنية قال: بأن الفروع الامنية التابعة للنظام كانت حاضرة في هذه المبادرة، وأدت دورها ببيروقراطية وتكافل وفق تقاليدها المعتادة من دون تغيير, وكان حضورها متمثلا بالمراقبة والاطلاع على كشوفات الاسماء للمتبرعيين حيث أن تدوين أسمائهم لم يكن بغرض التوثيق والشفافية، بل لدواعي اخرى, تمثلت بمنح الرضى وإعطاء الثقة للمستجيبين والمتفاعلين مع هذه المبادرة.
وكما أن مشاركة الفروع الامنية تلخص في دور أساسي لإحصاء المبالغ الكلية لهذه التبرعات والتي سيدفع منها مانسبته تبلغ حوالي 10 في المئة من مجمل التبرعات من كل بلدة , والتي ستعود الى خزينة فروع النظام الأمنية كشرط مسبق مقابل السماح للاهالي باطلاق هذه الحملات كما قال أبو عدنان،42 عاماً، لـ”موقع 18 اذار”.
تم الترويج من قبل الفروع الامنية و بشكل غير معلن بضرورة التفاعل من قبل الاهالي مع هذه المبادرات, و بث اشاعات عبر رجالات النظام وأزلامه في الفرق الحزبية وأعضاء البلديات, مفادها بأن الذين لم يشاركوا في الحملات الأهلية سيكونون عرضةً في انف الايام للملاحقات الامنية, كما قال نفس المصدر .
لم تكن الافرع الأمنية وحدها من مؤسسات النظام الحاضر في هذه المبادرات، حيث سجلت مديرية مياه درعا حضورها, واشترطت على الأشخاص الذين تبرعوا بجزء من الأراضي لتشغيل آبار المياه بالطاقة الشمسية التنازل عن هذه الارض في السجلات العقارية ليتم تسجيلها وبشكل رسمي باسم مديرية المياه, بينما ألواح الطاقة الشمسية ستكون ملكاً لمجلس المدينة، و الذي له الحرية المطلقة في التصرف بها حسبما يراه مناسبا ، وفق المصدر المسؤول من مجلس مدينة داعل.
وعلى الرغم من أهمية مثل هذا النوع من المبادرات الهادفة للتخفيف عن المواطنين، إلا أنها ومن وجهة نظر الناشط الاقتصادي “حسام أبو سعد” تصب في مصلحة النظام، حيث يمكن الحديث عن أن هذه الفزعات تتضمن أموالا بالعملة الأجنبية تدخل ضمن دائرة اقتصاد الحرب الذي تقوده مؤسسات وأزلام النظام السوري المعروف باحترافه إدارة الفساد والالتفاف على العقوبات والقيود، فبمجرد دخول الاموال إلى سوريا سيلجأ المستفيد النهائي منها إلى تحويلها إلى الليرة السورية ليتم استخدامها في أفضل الافتراضات للغاية التي أرسلت لها، وبالتالي سيتم بيع الدولار في السوق السورية وشراء الليرة مما سيزيد ولو بشكل طفيف الطلب على الليرة السورية مقابل الدولار مما يحسن من قيمتها التداولية. ولكن إذا قررنا النظر إلى الحلقلة الكاملة سنجد أن أغلب من يقوم بشراء الدولار هم طبقة التجار والمتنفذين القريبين من حلقة النظام السوري نفسه والذين سيقومون لاحقا بتهريبها إلى الملاذات المالية التي يعملون ضمنها سواء في الامارات أو لبنان أو روسيا الأمر الذي سينعكس سلبا على حالة السوريين المستهدفين بتلك الفزعات على المدى الطويل وسيزيد من معاناتهم، فكما يقال أن الطريق إلى جهنم مملوء بذوي النوايا الحسنة، فالأموال التي تدخل الاقتصاد السوري ضمن هذه الحملات يعلم النظام السوري تماما كيف يحولها إلى أساليب إفقار جديدة لهؤلاء المواطنين، عن طريق الرسوم أو الضرائب أو ملاحقة الحوالات الخارجية اليوم والسماح لها بالتحرك بحرية غدا أو من خلال توظيف المبالغ النهائية في عمليات تهريب الثروات إلى خارج سوريا.
اخيرا فقد أتاح انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في الغوص في عمق و مضمون هذه الفزعات، ومدى ارتباطها بنظام الاسد وهذا ما تسبب بتوقف حملات ومبادرات مشابهة, كان مقرر لها ان تنطلق في مناطق وبلدات جديدة لكنها لم تبصر النور بسبب التوعية ، والتي كان لها الدور الصميمي في عزوف الناس عن التفاعل مع مثل هذه المبادرات المرتبطة بنظام الاسد.